فصل: ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ قدوم هارون مدينة السلام في جمادى الآخرة منصرفًا إليها من الرّقة في الفرات بالسفن وغرق أكثر بغداد بزيادة الماء ‏.‏

وولي حماد البربريّ مكة واليمن وولي داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند ويحيى الحرشيّ الجبل ومهرويه الرازيّ طبرستان وقام بأمر إفريقية إبراهيم بن الأغلب ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج أبو عمرو الشاري فقُتل ‏.‏

وفيها‏:‏ طلب أبو الخصيب الأمان فأعطاه ذلك علي بن عيسى ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس إبراهيم بن محمد المهدي أمير المؤمنين ‏.‏

أحمد بن هارون الرشيد ‏.‏

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد الحريري قال‏:‏ أنبأنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن أحمد المزكي قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال‏:‏ سمعت علي بن الموفق يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن الفتوح يقول‏:‏ خرجت يومًا أطلب رجلًا يرم لي شيئًا في الدار فذهبت فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مزود وزنبيل فقلت‏:‏ تعمل لي ‏.‏

قال‏:‏ نعم بدرهم ودانق ‏.‏

فقلت‏:‏ قم ‏.‏

فقام فعمل لي عملًا بدرهم ودانق ودرهم ودانق ودرهم ودانق ثم أتيت يومًا آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا يومًا واحدًا يوم كذا ‏.‏

قال‏:‏ فجئت ذلك اليوم فقلت‏:‏ تعمل لي ‏.‏

قال‏:‏ نعم بدرهم ودانق ‏.‏

فقلت أنا‏:‏ بدرهم ‏.‏

فقال‏:‏ بدرهم ودانق ولم يكن بي الدانق ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده فلما كان المساء وزنت له درهما فقال لي‏:‏ ما هذا قلت‏:‏ درهم ‏.‏

قال‏:‏ ألم أقل لك‏:‏ درهم ودانق‏!‏ أفسدت علي ‏.‏

فقلت‏:‏ وأنا ألم أقل لك بدرهم فقال‏:‏ لست آخذ منه شيئًا قال‏:‏ فوزنت له درهمًا ودانقًا فقلت‏:‏ خُذ ‏.‏

فأبى أن يأخذ وقال‏:‏ سبحان اللّه أقول لك لا آخذ وتلح علي‏!‏ فأبى أن يأخذه ومضى

قال‏:‏ فأقبل علي أهلي وقالت‏:‏ فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملًا بدرهم أن أفسدت عليه ‏.‏

قال‏:‏ فجئت يومًا أسأل عنه فقيل لي‏:‏ مريض فاستدللت على بيته فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون وليس في بيته شيء إلا ذلك المزود والزنبيل فسلمت عليه وقلت له‏:‏ لي إليك حاجة وتعرف فضل إدخال السرور على المؤمن أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك ‏.‏

قال‏:‏ وتحب ذلك قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ بشرائط ثلاث ‏.‏

قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ أن لا تعرض عليَّ طعامًا حتى أسألك وإذا أنا مت أن تدفني في كسائي وجُبتي هذه ‏.‏

قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ والثالثة أشد منهما وهي شديدة قلت‏:‏ وإن كان ‏.‏

فحملته إلى منزلي عند الظهر فلما كان من الغد ناداني يا عبد الله فقلت‏:‏ ما شأنك

قال قد احتضرت افتح صرّة على كم جبتي قال‏:‏ ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر فقال‏:‏ إذا أنا مت ودفنتني فخُذ هذا الخاتم ثم ادفعه إلى هارون الرشيد أمير المؤمنين فقل له‏:‏ يقول لك صاحب هذا الخاتم‏:‏ ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت ‏.‏

قال‏:‏ فلما دفنته سألت يوم خروج هارون الرشيد أمير المؤمنين وكتبت قصة وتعرضت له وأوذيت أذى شديدًا فلما دخل قصره وقرأ القصة وقال‏:‏ علي بصاحب هذه القصة ‏.‏

قال‏:‏ فأدخلت عليه وهو مغضب يقول‏:‏ يتعرضون لنا ويفعلون فلما رأيت غضبه أخرجت الخاتم فلما نظر إلى الخاتم قال‏:‏ من أين لك هذا الخاتم قلت‏:‏ دفعه إليَّ رجل طيَّان ‏.‏

فقال لي‏:‏ طيَّان طيان وقربني منه ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية فقال لي‏:‏ ويحك قل ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك‏:‏ ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت ‏.‏

فقام على رجليه قائمًا وضرب بنفسه على البساط وجعل يتقلب عليه ويقول‏:‏ يا بني نصحت أباك ‏.‏

فقلت في نفسي‏:‏ كأنه ابنه ثم جلس وجاؤوا بالماء فمسحوا وجهه وقال كيف عرفته قال فقصصت عليه قصته ‏.‏

قال‏:‏ فبكى وقال‏:‏ هذا أول مولود لي وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة أن يزوجني بها فبصرت بهذه المرأة فوقعت في قلبي وكانت خسيسة فتزوجتها سرًا من أبي فأولدتها هذا المولود وأحدرتها إلى البصرة وأعطيتها هذا الخاتم وأشياء وقلت لها‏:‏ اكتمي نفسك فإذا بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل لي أنهما ماتا ولم أعلم أنه باقٍ فأين دفنته قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد اللّه بن مالك ‏.‏

قال‏:‏ لي إليك حاجة إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل إليك فأخرج متنكرًا إلى قبره فوقفت له فخرج متنكرًا والخدم حوله حتى وضع يده بيدي وصاح بالخدم فتنحوا فجئتُ به إلى قبره فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه ورأسه ولحيتُه على قبره وجعل يقول‏:‏ يا بني لقد نصحت أباك ‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني له ثم سمع كلامًا فقال‏:‏ كأني أسمع كلام الناس‏.‏

قلت‏:‏ أجل أصبحت يا أمير المؤمنين قد طلع الفجر ‏.‏

فقال لي‏:‏ قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم واكتب عيالك مع عيالي فإن لك فيَ حقًَا بدفنك ولدي وإن أنا مت أوصيت‏:‏ من يكون مَنْ بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبًا من القصر ويده بيدي فلما صار إلى القصر قال‏:‏ انظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس فقف لي حتى أنظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه ‏.‏

قلت‏:‏ إن شاء الله فلم أعد إليه ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد روي حديث السبتي من طريق آخر وفيه أشياء تخالف هذا وهذه الطريق التي سقناها أصح وأسنادها ثقات ‏.‏

وقد زاد القصَّاص في حديث السبتي وأبدأوا وأعادوا وذكروا أنه كان من زبيدة وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المري فوقع من فرسه وأشياء كلها محال ‏.‏

زين بن شعيب بن كريب أبو عبد الملك المعافري ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن وهب وغيره وآخر مَنْ حدَّث عنه‏:‏ مُرة الترسلي ‏.‏

وكانت له عبادة وفضل كان يحيى بن بكير يقول‏:‏ حدَثني زين بن شعيب وكان والله زينًَا توفي بالإسكندرية في هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي ‏.‏

روى عن أبي حازم وهشام بن عروة وموسى بن عقبة وغيرهم ‏.‏

فلما قدم المهدي المدينة اتصل به وصار أحد خواصه وكان المهدي يقول‏:‏ واللهّ ما كان في آبائه أحد إلا وهو أكمل منه وما له في الناس نظير في كماله ‏.‏

وبعث إليه أبو عبيد الله بألفي دينار فردها وكتب إليه إني لا أقبل صلة إلا من خليفة أو ولي عهد ‏.‏

ولما بايع المهدي لموسى قال له عبد الله بن مصعب‏:‏ اشدد بهارون حبال العقد وولهِ بعدَ وليّ العَهْدِ فبايع له بعد موسى فقال له عبد الله بن مصعب‏:‏ لا قصرا عنها ولا بلغتهما حتى تطول علي يديك طوالها فلما ولي الرشيد عرض على عبد الله بن مصعب الولاية فأبى فألزمه فكان جميل السيرة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير قال‏:‏ حدَّثني عمي مصعب قال‏:‏ كان أبي يكره الولاية فعرض عليه الرشيد ولاية المدينة فأبى فألزمه فأقام على ذلك ثلاث ليال يلزمه فيأبى فلما كان في الليلة الثالثة قال له‏:‏ اغد علي بالغداة إن شاء الله فغدا عليه فدعا أمير المؤمنين بقناة وعمامة فعقد اللواء بيده ثم قال‏:‏ عليك طاعة قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين ‏.‏

قال‏:‏ فخذ هذا اللواء ‏.‏

فأخذه وقال له‏:‏ أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين بعد العافية فلا بد له أن أشترط لنفسي قال له‏:‏ اشترط ‏.‏

فاشترط خلالًا منها‏:‏ أنه قال له مال الصدقات مال قسمه الله بنفسه ولم يكله إلى أحد من خلقه فلست أستجيز أن أرتزق منه ولا بد أرزق المرتزقة فاحمل معي رزقي ورزق المرتزقة من مال الخراج ‏.‏

قال‏:‏ قد أجبتك إلى ذلك ‏.‏

قال‏:‏ وأنفذ من كتبك ما رأيت وأقفُ عما لا أرى قال‏:‏ وذلك لك ‏.‏

قال‏:‏ فولي المدينة وكان يأمر بمال الصدقات يصيَّر إلى عبد العزيز بن محمد الدراوردي وإلى آخر معه وهو يحيى بن أبي غسان فكانا يقسمانه ثم ولاه الرَّشيد اليمن وزاده معها ولاية عك وكانت عك إلى والي مكة ورزقه ألفي دينار في كل شهر ‏.‏

فقال يحيى بن خالد‏:‏ يا أمير المؤمنين كان رزق والي اليمن ألف دينار فجعلت رزق عبد الله بن مصعب ألفي دينار وأخاف أن لا يرضى أحد توليه اليمن من الرزق من قومك بأقل ما أعطيت عبد الله بن مصعب فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان يكون وأعضته من الألف الأخرى مالًا تجيزه به لم يكن عليك حجة لأحد من قومك في الجائزة فصير رزقه ألف دينار وأجازه بعشرين ألف دينار واستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان ‏.‏

قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ ثم ولى المدينة ابنه بكار بن عبد اللهّ وشخص عبد اللّه بن مصعب إلى بغداد ثم رحل إلى الرِّقة في صحبة الرشيد فتوفي بها في ربيع الأول من هذه السنة وهو ابن سبعين سنة فتلهف عليه الرشيد وبعث ابنه المأمون فصلى عليه ‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد البارع قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ حدَّثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن نافع قال‏:‏ قال لي عبد الله بن مصعب‏:‏ أريت فيما يرى النائم كأن رجلًا يقول‏:‏ يولد لك ابن من أم ولدك ولا تراه فلم يكن شيء أثقل عليه من أحمل أم ولده أم عبد الله فولدت عبد الله بن عبد الله بن مصعب يوم مات عبد الله فلم يره ‏.‏

عبد اللّه بن عبد العزيز العمري أبو عبد الرحمن ‏.‏

أدرك أبا طوالة وروى عن أبيه وعن إبراهيم بن سعد وكان عابدًا مجتهدًا ووعظ الرشيد فبالغ ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال قال‏:‏ أخبرنا أبو يحيى أحمد بن محمد بن الجراح قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن جعفر بن دران قال‏:‏ أخبرنا هاررن بن عبد العزيز العباسي قال‏:‏ حدثنا محمد بن خلف بن حبان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن إسحاق بن عبد الرحمن البغوي قال‏:‏ سمعت سعيد بن سليمان يقول‏:‏ كنت بمكة في رواق الشطوى وإلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري وقد حجّ هارون الرشيد فقال لي إنسان‏:‏ يا أبا عبد الرحمن هو ذا أمير المؤمنين يسعى قد أخلي له المسعى ‏.‏

قال العمري للرجل‏:‏ لا جزاك الله عني خيرًا كلفتني أمرًا كنت عنه غنيًا ‏.‏

ثم تعلق نعليه وقام فتبعته فأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به‏:‏ يا هارون قال‏:‏ فلما نظر إليه قال‏:‏ لبيك يا عم ‏.‏

قال‏:‏ ارق الصفا ‏.‏

فلما رقيه قال‏:‏ ارم بطرفك إلى البيت قال‏:‏ قد فعلت ‏.‏

قال‏:‏ كم هم ‏.‏

قال‏:‏ ومَنْ يحصيهم قال‏:‏ فكم في لناس مثلهم قال‏:‏ خلق لا يحصيهم إلا الله قال‏:‏ اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يُسأل عن حاجته نفسه وأنت تُسأل وحدك عنهم كلهم فانظر كيف تكون ‏.‏

قال‏:‏ فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلًا منديلًا للدموع ‏.‏

قال العمري‏:‏ وأخرى أقولها لك قال‏:‏ قل يا عم ‏.‏

قال‏:‏ والله إن الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن أسرع في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي ‏.‏

قال محمد بن خلف‏:‏ سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول‏:‏ بلغني أن هارون الرشيد قال‏:‏ إني وقد روي لنا من طريق آخر أنه لقيه بالمسعى فأخذ لجام دابته فأهوى الأجناد إليه فكفَّهم عنه الرشيد فكلّمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرقة دابته ثم انصرف وإنه لقيه مرة فقال‏:‏ ياهارون فعلت وفعلت فجعل يسمع منه ويقول‏:‏ مقبول منك يا عم على الرأس والعين ‏.‏

فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين حال الناس كيت وكيت ‏.‏

فقال‏:‏ عن غير علمي وأمري ‏.‏

وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه فلما نزل الكوفة زحف العسكر حتى لو كان نزل بهم مائة ألف من العدو وما زادوا على هيئته ثم رجع ولم يصل إليه ‏.‏

توفي العمري بالمدينة في هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة ‏.‏

محمد بن يوسف بن معدان أبو عبد اللّه الأصفهاني ‏.‏

أدرك التابعين وتشاغل بالتعبد وكان ابن المبارك يُسمّيه عروس الزهاد ‏.‏

وقال ابن المهدي‏:‏ ما رأيت مثله ‏.‏

وقال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ ما رأيت أفضل منه وكان كأنه قد عاين ‏.‏

أخبرنا المحمدان‏:‏ ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ الحافظ قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الحافظ قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عصام قال‏:‏ حدَّثني يوسف بن زكريا قال‏:‏ كان محمد بن يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد قال ابن عاصم‏:‏ وأخبرنا عبد الرحمن بن عمر قال‏:‏ قال عبد الرحمن بن مهدي باينت محمد بن يوسف في الشتاء والصيف فلم يكن يضع جنبه ‏.‏

توفي محمد بن يوسف ولم تكتمل له أربعون سنة ‏.‏

المعافى بن عمران أبو مسعود الأزدي الموصلي ‏.‏

رحل في طلب الحديث إلى البلاد البعيدة وجالس العلماء ولازم سفيان الثوري ‏.‏

فتفقه به وتأدب بآدابه حدَّث عنه وعن أبي ذئب ومالك وابن جريج وغيرهم ‏.‏

كان سفيان يقول‏:‏ أنت معافى كاسمك ‏.‏

وكان يسمّيه الياقوتة فيقول‏:‏ يا ياقوتة العلماء ‏.‏

وصنف كُتبًا وروى عنه‏:‏ ابن المبارك وبشر الحافي وكان زاهدًا عابدًا فاضلًا عاقلًا صاحب سُنَة ثقة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن القاسم النرسي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ حدثنا هيثم بن مجاهد قال‏:‏ حدَّثنا إسحاق بن الضيف قال‏:‏ سمعت بشر بن الحارث يقول‏:‏ قتل للمعافى بن عمران ابنان في وقعة الموصل فجاء إخوانه يعزّونه من الغد فقال لهم‏:‏ إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني ولكن هنئوني قال‏:‏ فهنَّوه فما برحوا حتى غداهم وغلفهم بالغالية يعقوب بن الربيع حاجب المنصور ‏.‏

وهو أخو الفضل بن الربيع كان أديبًا شاعرًا حسن الافتنان في العلوم وكان له جارية طلبها سبع سنين يبذل فيها ماله وجاهه حتى ملكها وأعطي بها مائة ألف دينار فلم يبعها ولم تمكث عنده إلا ستة أشهر حتى ماتت فرثاها بمراث كثيرة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا التنوخي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أنشدنا علي بن سليمان الأخفش ليعقوب بن الربيع‏:‏

أضحوا يصيدون الظباء وإنني ** لأرى تصيّدها عليّ حراما

أشبهنَ منك سوالفًا ومدامعًا ** فأرى بذاك لها علي ذماما

أعْزِز عليَّ بان أودعِّ شبهها أو ** أن تذوق على يديّ حماما

وله أيضًا في جاريته‏:‏ لئن كان قربك لي نافعًا لبعدك أصبح لي أنفعا لأني أمنتُ رزايا الدُّهور وإن جل خطب بأن أجْرَعا سنة خمس وثمانين ومائة فمن الحوادث فيها‏:‏ قتل أهل طبرستان مَهْرُوَيه الرازي واليها فولَّى الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد الحَرشي ‏.‏

وفيها‏:‏ قتل عبد الرحمن الأبناويّ أبانَ بن قحطبة الخارجي بموج القلعة ‏.‏

وفيها‏:‏ أغار حمزة الشاري بباذغيس من خراسان فوثب عيسى بن علي على عشرة آلاف من أصحاب حمزة فقتلهم وبلغ كابُل وزابلستان ‏.‏

وفيها غدر أبو الخصيب وخرج وذهب إلى مرو فأحاط بها فهُزِم ومضى نحو سرخس وقوي أمره ‏.‏

وفيها‏:‏ مات يزيد بن مزيد ببَرذعة فوُليَ مكانه أسد بن يزيد ‏.‏

وفيها‏:‏ شخص الرشيد إلى الرّقة على طريق الموصل واستأذنه فيها يحيى بن خالد في العمرة والمجاورة فأذن له فخرج في شعبان هذه السنة واعتمر عمرة رمضان ثم رابط بجدة إلى وقت الحج ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس منصور بن المهدي ووقعت صاعقة في المسجد الحرام في رمضان هذه

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عبد الصمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس ‏.‏

روى عن أبيه وُلد سنة أربع ومائة وكان عظيم الخلق وكانت فيه عجائب‏:‏ منها‏:‏ أنه حج يزيد بن معاوية سنة خمسين وحجّ عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة

كذلك ذكره أبو بكر الخطيب ‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حجّ يزيد بالناس سنة خمسين وعبد الصمد سنة خمسين إحدى ومئة وكان بين حجهما مائة سنة على قول الخطيب وهما في النسب إلى عبد مناف سواء لأن يزيد هو ابن معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ‏.‏

وعبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ‏.‏

ومنها‏:‏ أنه وُلد سنة أربع ومائة وتوفي سنة خمس وثمانين ‏.‏

وولد أخوه بن علي سنة ستين وكانت بينه وبين أخيه في المولد أربع وأربعون سنة

وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثمانين وكان بينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة ‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ولد عبد اللّه بن الحارث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وعبد الصمد إلى عبد مناف سواء ‏.‏

ومنها‏:‏ أنه أدرك أبا العباس وهو ابن أخيه وأدرك المنصور وهو ابن أخيه ثم أدرك المهدي وهو عم أبيه ثم أدرك الهادي وهو عم جده ثم أدرك الرشيد ‏.‏

وقال يومًا للرشيد‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعم أمير المْومنين وعم عمه وعم عم عمه وذلك أن سليمان بن جعفر عم الرشيد ‏.‏

والعباس بن محمد بن علي عم سليمان وعبد الصمد عم العباس ‏.‏

ومنها‏:‏ أنه مات بأسنانه التي وُلد بها ولم تتغير وكانت أسنانه قطعة واحدة من أسفل ‏.‏

ومنها‏:‏ أنه طارت ريشتان إلى عينيه فذهب بصره أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدَثني عبد العزيز بن علي الوراق قال‏:‏ حدثنا أبو موسى هارون بن عيسى الخطيب قال‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام قال‏:‏ حدَثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا جدي محمد بن إبراهيم الإمام وكان يجلس لولده وولد ولده في كل يوم خميس يعظهم ويحدّثهم قال‏:‏ أرسل إلي المنصور بكرة واستعجلني الرسول فدخلنا فإذا الربيع واقف عند الستر وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس وإذا عبد الصمد بن علي وداود بن علي وإسماعيل بن علي وسليمان بن علي وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين وعبد الله بن حسن بن حسن والعباس بن محمد فقال الربيع‏:‏ اجلسوا مع بني عمكم فجلسنا ثم دخل الربيع وخرج وقال للمهدي‏:‏ ادخل أصلحك الله ثم خرج فقال‏:‏ ادخلوا جميعًا ‏.‏

فدخلنا فسلمنا وأخذنا مجالسنا فقال للربيع‏:‏ هات دوى وما يكتبون فيه ‏.‏

فوضع بين يدي كل واحد منا دواة وورق ثم التفت إلى عبد الصمد بن علي فقال‏:‏ يا عم حدّث ولدك وأخوتك وبني أخيك بحديث البر والصلة ‏.‏

فقال عبد الصمد بن علي‏:‏ حدثني أبي عن جدي عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن البر والصلة ليطيلان في الأعمار ويعمّران الديار ويثريان الأموال ولو كان القوم فجارًا‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ يا عم الحديث الآخر ‏.‏

فقال عبد الصمد‏:‏ حدثني أبي عن جدي عبد الله بن عباس قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ‏"‏ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب‏}‏‏.‏

فقال المنصور‏:‏ يا عم الحديث الآخر ‏.‏

إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين وكان أحدهما بارًا برحمه عادلًا على رعيته وكان الآخر عاقًا برحمه جائرًا على رعيته وكان في عصرهما نبي فأوحى الله تعالى إلى ذلك النبي أنه قد بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين وبقي من هذا العاق ثلاثون سنة ‏.‏

قال‏:‏ فأخبر النبي رعية هذا ورعية هذا فأحزن ذلك رعية العادل وأحزن ذلك رعية الفاجر قال‏:‏ ففرقوا بين الأطفال والأمهات وتركوا الطعام والشراب وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله أن يمتعهم بالعادل ويزيل عنهم أمر الجائر فأقاموا ثلاثًا فأوحى إلى ذلك النبي أن أخبر عبادي أني قد رحمتهم وأجبت دعاءهم فجعلت ما بقي من عمر هذا البار لذلك الجائر وما بقي من عمر هذا الجائر لذلك البار ‏.‏

قال‏:‏ فرجعوا إلى بيوتهم ومات العاق لتمام الثلاث سنين وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على اللّه يسير‏}‏ ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد فقال‏:‏ يا أبا عبد اللّه حدّث بني عمك وإخوتك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في البر ‏.‏

فقال جعفر بن محمد‏:‏ حدَثني أبي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما من ملك يصل رحمه وذا قربته ويعدل في رعيته إلا شيد توفي عبد الصمد في هذه السنة بالجدري وصلى عليه الرشيد ليلًا ودفن في باب البردان وله إحدى وثمانون سنة ‏.‏

عباد بن العوام بن عبد اللّه أبو سهل الواسطي ‏.‏

سمع حصين بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو نعيم وأحمد بن حنبل وكان ثقة صدوقًا ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ عباد بن العوام كان من أهل واسط وكان يتشيع فأخذه هارون أمير المؤمنين فحبسه زمانًا ثم عفى عنه فأقام ببغداد وكان ينزل بالكرخ على نهر البزازين توفي في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ست وثمانين ‏.‏

وقيل‏:‏ فيِ سنة تسع ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ثلاث ‏.‏

محمد بن إبراهيم المعروف بالإمام ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ‏.‏

كان يلي إمارة الحج والمسير بالناس إلى مكة وإقامة المناسك في خلافة المنصور عدة سنين ‏.‏

وتوفي ببغداد في خلافة الرشيد لإحدى عشرة بقيت من شوال هذه السنة ‏.‏

وكان الرشيد إذ ذاك قد شخص إلى الرّقة فصلى عليه الأمين ودفن في المقبرة المعروفة محمد بن إبراهيم المعروف بالإمام بن الحسن أبو بكر الهذلي كان هروي الأصل وهو أخو أبي معمر إسماعيل وأبي الهذيل إسحاق ‏.‏

سمع من سفيان بن عيينة وغيره ‏.‏

وقال موسى بن هارون الحافظ‏:‏ هو صدوق لا بأس به ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ خروج علي بن عيسى بن ماهان من مَرْو لحرب أبي الخصيب إلى نَسا فقُتل بها وسبي نساؤه وذراريّه فاستقامت خُراسان ‏.‏

وفيها‏:‏ حبس الرشيد ثمامة بن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى بن زيد ‏.‏

وكانت ببغداد رجفة شديدة بين المغرب والعشاء في رمضان ‏.‏

وفيها‏:‏ حج الرشيد وكان شخوصه من الرّقة في رمضان فمرّ بالأنبار ولم يدخل مدينة السلام ولكنه نزل منزلًا على شاطىء الفرات وأخرج معه ابنيه الأمين والمأمون فبدأ بالمدينة فأعطى أهلها ثلاث عطيات وبدأ بنفسه فنودي باسمه فأخذ ثلاث أعطيات فوضعها بين يديه وفعل ذلك بالأمين والمأمون ثم ببني هاشم ثم بالناس بعدهم ثم صار إلى مكة فأعطى أهلها عطاءين فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار وكان عقد لابنه محمد ولاية العهد في يوم الخميس في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسمّاه الأمين وضم إليه الشام والعراق في سنة خمس وسبعين

ثم بايع للمأمون في سنة ثلاث وثمانين وولاه من حد همَذان إلى آخر المشرق ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا الحميدي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن دينار قال‏:‏ حدثنا أبو علي الطوماري قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال‏:‏ حدَثني الحسين بن الصباح الزعفرافي قال‏:‏ لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين والمأمون على العهد ‏.‏

قال‏:‏ فبكر الناس لتهنئة الرشيد فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن فجعل الناس يقولون‏:‏ كيف ندعو لهما فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندع لهما كان تقصيرًا فدخل الشافعي فجلس فقيل له ذلك فقال‏:‏ الله الموفق فلما أذن دخل الناس فكان أول متكلم الشافعي فقال‏:‏ لا قصرا عنها ولا بلغتهما حتى تطول على يديك طوالها قال علماء السير‏:‏ وكان القاسم بن الرشيد في حجر عبد الملك بن صالح فلما بايع الرشيد يا أيها الملِكُ الذِي لو كان نجمًا كان سَعْدا اعقد لقاسِمَ بيعَةً واقدَحْ له في الناس زَنْدا الله فرد واحد فاجعل ولاةَ العهد ِفردا فكان ذلك أول ما حضَّ الرشيد على البيعة للقاسم فبايع له وسمَّاه المؤتمن ولاه الجزيرة والثغور والعواصم ‏.‏

فلما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض الناس‏:‏ قد أحكم الملك ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل ألقى بأسهم بينهم وعاقبة ما صنع مخوفة على الرّعيّة ‏.‏

وحج هارون ومعه أبناؤه ووزراؤه وقوَّاده وقضاته في سنة ست وثمانين وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نَهيك العكيّ وعلى الحرم والخزائن والأموال والعسكر وأشخص القاسم ابنه إلى منبج فأسكنه إياها ثم ضم إليه من القوَّاد والجند فلما قضى مناسكه كتب إلى المأمون ابنه كتابين أجهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما أحدهما‏:‏ على محمد الأمير بما اشترط عليه من الوفاء بتسليم ما ولي عبد الله من الأعمال وصيَّر له من الضياع والغلات والجوهر والأموال ‏.‏

والآخر‏:‏ نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد اللهّ على محمد وعليهم وحضر في الكعبة وأحضر وجوه بني هاشم والقوَّاد والفقهاء وقرأ الكتاب على الأمين والمأمون وأشهد عليهما جميع من حضر من سائر ولده وأهل بيته ومواليه ووزرائه وقوَّاده وكُتَابه وغيرهم ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة فلما رفع ليعلق سقط ‏.‏

وقد روى إبراهيم بن عبد اللّه الحجبي عن أبيه قال‏:‏ لما رفع الكتاب ليعلق بسقف الكعبة سقط قبل أن يعلق فقلت في نفسي‏:‏ هذا أمر سريع انتقاضه ‏.‏

وتقدم إلى الحجبة في حفظ الكتابين ومنع من أراد إخراجهما ‏.‏

وكانت نسخة الكتاب‏:‏ هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين كتبه محمد بن هارون أمير المؤمنين في صحة عقله وجواز من أمره طائعًا غير مكره أن أمير المؤمنين ولاني العهد من بعده وصير البيعة لي في رقاب المسلمين وولى عبد اللهّ بن هارون أمير المؤمنين العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعدي برضا منّي وتسليمه طائعًا غير مكره وولاه خراسان وثغورها وكورها وحربها وجندها وخراجها وبيوت أموالها أو صدقاتها وعشرها وجميع أعمالها في حياته وبعدي وشرطت لعبد اللهّ هارون أمير المؤمنين برضا مني وطيب نفسي أن لأخي عبد اللهّ بن هارون علي الوفاء بما عقد له هارون أمير المؤمنين من العهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين جميعًا بعدي وتسليم ذلك له وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها كلها وما أقطعه أمير المؤمنين من قطيعته أو جعل له من عقده أو ضيعة من ضياعه وابتاع من الضياع والعقد وما أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جوهر أو متاع أو كسوة أو منزل أو دواب أو قليل أو كثيرة فهو لعبد اللهّ بن هارون أمير المؤمنين موفرًا مسلمًا إليه وقد عرفت ذلك كله شيئًا فشيئًا فإن حدث بأمير المؤمنين الموت وأفضت الخلافة إلى محمد ابن أمير المؤمنين فعلى محمد إنفاذ ما أمر به هارون أمير المؤمنين في تولية عبد الله بن هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها من لدن الري إلى أقصى خراسان ليس لمحمد ابن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدًا ولا راجلًا واحدًا ممن ضم إليه من أصحابه الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين ولا يحول عبد الله ابن أمير المؤمنين من ولايته التي ولاها إياه هارون أمير المؤمنين من ثغور خراسان وأعمالها كلها بندارًا ولا عاملًا ولا يدخل عليه في صغير من أمره ولا كبير ضرارًا ولا يحول بينه وبين العمل في ذلك كله برأيه وتدبيره ولا يعرض لأحد ممن ضم إليه أمير المؤمنين من أهل بيته وصحابته وقضاته وعماله وكتابه وخدمه ومواليه وجنده بما يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم ولا قرابتهم ولا مواليهم ولا أموالهم ولا في ضياعهم ودورهم ورباعهم ورقيقهم ولا أحد من الناس بأمره ورأيه يترخص له في ذلك ولا ينزع إليه أحد ممن ضم أمير المؤمنين عبد الله ابن أمير المؤمنين وأهل بيت أمير المؤمنين وصحابته وعماله وخدمه وجنده ورفض اسمه أومكْتبه ومكانه مع عبد الله عاصيًا له أومخالفًا فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى عبد اللهّ فإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين خلع عبد اللهّ ابن أمير المؤمنين من ولاية خراسان وثغورها وأعمالها أو صرف أحد من قواده الذين ضمَهم إليه أمير المؤمنين أو أن ينتقصه قليلًا أو كثيرًا مما جعله أمير المؤمنين له بوجه من الوجوه أو بحيلة من الحيل فلعبد اللّه بن هارون أمير المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين وهو المقدَّم على محمد ابن أمير المؤمنين وهو وَليّ الأمر بعد أمير المؤمنين والطاعة من جميع قواد أمير المؤمنين هارون من أهل خراسان وجميع المسلمين في جميع الأمصار لعبد اللّه ابن أمير المؤمنين والقيام معه والمجاهدة لمَنْ خالفه والذبّ عنه ما كانت الحياة في أبدانهم ‏.‏

وليس لأحد منهم أن يخالفه أو يعصيه ولا يخرج من طاعته ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلعِ عبد اللّه بن هارون أمير المؤمنين وصرْف العهد عنه من بعده إلى غيره أو ينتقصه شيئًا مما جعله له أمير المؤمنين هارون في حياته وصحته واشترط في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام وفي كتابه هذا ‏.‏

وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله وأنتم في حلٍّ من البيعة التي في أعناقكم لمحمد ابن أمير المؤمنين وعلى محمد ابن أمير المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير المؤمنين ويسلم له الخلافة ‏.‏

وليس لمحمد ولا لعبد الله أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين ولا يقدما عليه أحدًا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية فإذا أفضت الخلافة إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين فالأمر إليه في إمضاء ما جعله أمير المؤمنين من العهد للقاسم بعده أو صرف ذلك عنه إلى مَنْ رأى من ولده وإخوته وتقديم من أراد أن يقدم قبله يحكم في ذلك بما أحب وأراد فعليكم معشر المسلمين إنفاذ ما كتبه أمير المؤمنين في كتابه هذا وشرط وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما ألزمكم لعبد الله ابن أمير المؤمنين وعهد الله وذمته وذمم المسلمين والعهود والمواثيق التي أخذ الله على الملائكة المقربين والمرسلين والنبيين ووكدها في أعناق المؤمنين ليقرب لعبد الله ابن أمير المؤمنين بما سمى ولمحمد وعبد الله والقاسم بني أمير المؤمنين بما سمى وكتب في كتابه هذا واشترط عليكم فبرئت منك ذمّة الله وذمة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم أو يستفيده إلى خمسين سنة فهو صدقة على المساكين وعلى كل رجل منكم المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة خمسين حجَّة نفرًا واجبًا لا يقبل الله منه إلا الوفاء بذلك وكل مملوك لأحد منكم أو يملكه فيما يستقبل إِلى خمسين سنة حر وكلّ امرأة له فهي طالق ثلاثًَا البتة طلاق الحرج لا مثنويِّة لذلك فيها والله عليكم بذلك كفيل وكفى بالله حسيبًا ‏.‏

ونسخة الشرط الذي كتبه عبد الله ابن أمير المؤمنين بخط يده في الكعبة‏:‏ هذا كتاب لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين كتبه له عبد اللّه بن هارون أمير المؤمنين في صحة من عقله وجواز أمر من أمره وصدق نيّة فيما كتبه في كتابه هذا ومعرفة بما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين أن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعد أخي محمد بن هارون وولاني في حياته ثغور خراسان وكورها وجميع أعمالها وشرط على محمد بن هارون الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية العباد والبلاد بعده وولاية خراسان وجميع أعمالها ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين أو ابتاع لي من الضياع والعُقَد والرّباع أو ابتعت منه من ذلك وما أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجواهر والكساء والمتاع والدواب والرقيق وغير ذلك فلا يعرض لي ولا لأحد من عُمَالي وكُتَّابي بسبب محاسبة ولا يتَّبع لي في ذلك ولا لأحد منهم أبدًا ولا يدخل علي ولا عليهم ولا على من كان معي ممن استعنتُ به من جميع الناس مكروهًا في نفسي ولا دم ولا شعر ولا بشر ولا مال ولا صغير ولا كبير ‏.‏

فأجابه إلى ذلك وأقَرّ به وكتب له كَتابًا أكدَّ فيه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين وقبله فشرطت لأمير المؤمنين وجعلت له على نفسي أن أسمع وأطيع محمد ولا أعصيه وأنصحه ولا أغشه وأوفي ببيعته وولايته ولا أغدر ولا أنكُث وأنفِذ كتبَهَ وأوامره وأحسن مؤازرته وجهاد عدوه في ناحيتي ما وفى لي على ما شرط لأمير المؤمنين في أمري وسمى في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين فإن احتاج محمد إلى جند وكتب إليَّ يأمرني بإشخاصه إليه أو إلى ناحية من النواحي أو عدو خالفه وأراد نقض شيء من سلطانه أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا أن أنفذ أمره ولا أخالفه ولا أقصر في شيء كتب به إلى وإن أراد محمد أن يوَلِّي رجَلًا من ولاة العهد والخلافة بعدي فذلك له ما وفِّى لي بما جعله لي أمير المؤمنين واشترط لي عليه وعلي إنفاذ ذلك والوفاء له به ولا انقض ذلك ولا أبدله ولا أقدم قبله أحدًا من ولدي ولا قريبًا ولا بعيدًا من الناس إلا أن يولِّي أمير المؤمنين هارون أحدًا من ولده العهد بعدي فيلزمني ومحمدًا الوفاء له ‏.‏

وجعلت لأمير المؤمنين ولمحمد الوفاء لي بما شرطت وسمَّيت في كتابي هذا ما وَفى لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في نفسي وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسمِّاة في هذا الكتاب الذي كتبه له وعليّ عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم المسلمين وأشد ما أخذ الله على ميثاقه على النبيين والمرسلين من خلقه من عهوده ومواثيقه والأيمان المؤكدة التي أمر الله الوفاء بها ونهى عن نقضها وتبديلها وإن أنا نقضت شيئًا مما شرطت وسمّيت في كتابي هذا أو غيَّرت أو بذلت أو نكثت أو غدرت فبرئت من الله ومن ولايته ودينه ومحمد رسوله صلى الله عليه وسلم ولقيت الله يوم القيامة كافرًا مشركًا وكل امرأة هي لي اليوم أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثًا البتة طلاق الحَرج وكلّ مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله وعلي المشي إلى بيت اللّه الحرام الذي بمكَة ثلاثين حجة نذرًا واجبًا علي في عنقي حافيًا راجلًا لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك وكل مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة هَدْي بالغ الكعبة وكلّ ما جعلت لأمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لا أضمر غيره ولا أنوي غيره، وشهد سليمان ابن أمير المؤمنين وفلان وفلان ‏.‏

وكتب في ذي الحجة سنة سبع وثمانين ومائة وكان في نسخة الكتاب الذي كتبه هارون إلى العمّال أما بعد فإن الله ولي أمير المؤمنين وولي ما ولاه والحافظ لما استرعاه وأكرمه به من خلافته وسلطانه والصانع له فيما قدم وأخَّر من أموره والمنعم عليه بالنَصر والتأييد في مشارف الأرض ومغاربها والكالىء والحافظ والكافي من جميع خلْقه وهو المحمود على جميع آلائه والمسؤل تمامَ حسْنِ ما مضى من قضائه لأمير المؤمنين وعادته الجميله عنده وإلهامَ ما يرضى به ويوجب له عليه أحسن المزيد من فضله ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على عَقْد العهد لمحمد ابن أمير المؤمنين من بعد أمير المؤمنين ولعبد الله ابن أمير المؤمنين من بعد محمد يُعمل رأيه ونظره ورويّته فيما فيه الصلاح لهما ولجميع الرعية والجمع للكلمة واللَّم للشعث والحسم لكيْد أعداء النِّعم من أهل الكفر والنفاق والغلّ والقطع لآمالهم من كلّ فرصة يرجون إدراكها وانتهازها ويستخير الله في ذلك ويسأله العزيمة له على ما فيه الخِيرَة لهما ولجميع الأمة ‏.‏

فعزم الله لأمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله الحرام وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والانقياد لأمره واكتتاب الشرط على كلِّ واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد المواثيق والعهود وأغلظ الأيمان والتَّوكيد وأخذ لكل واحد منهما على صاحبه بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودتهما وتواصلهما ومكانتهما على حسن النظر لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما فلما قدم مكة أظهر لمحمد وعبد الله رأيه في ذلك وما نظر فيه لهما فقبلا ما دعاهما إليه وكتَبا لأمير المؤمنين في بَطْن بيت الله الحرام بخطوطهما بمحْضر ممن شهد الموسم وأهل بيت أمير المؤمنين وقَوّاده وقضاته وحَجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة ‏.‏

فلما فرغ أمير المؤمنين من ذلك أمر قضاته الذين شهدوا عليهما وحضروا كتابيهما أن يعلموا جميع مَن حضر الموسم من الحاج والعمار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابيهما ليعرفوا ذلك ويؤدُوه إلى إخوانهم وأهل بلدانهم

ففعلوا وقرىء عليهم الشرطان جميعًا في المسجد الحرام فانصرفوا ‏.‏

وقد اشتهر علم ذلك عندهم فأثبتوا الشهادة عليه وعرفوا نظر أمير المؤمنين لصلاحهم وحقن لدمائهم ولم شعثهم وإطفاء جَمْرة أعداء الله وأعداء دينه ‏.‏

وقد نسخ أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما محمد وعبد الله في أسفل كتابه هذا ‏.‏

وكتب إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ثمان وثمانين ومائة ‏.‏

وأمر هارون الرشيد للمأمون بمائة ألف درهم حملت له من الرقة إلى بغداد ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو زيان حكى عنه عون بن عبد الله قال‏:‏ قال لي أصبغ‏:‏ سمعت من أبيك كلامًا نفعني اللّه به‏:‏ لئن يخطىء الإمام في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة ‏.‏

توفي أصبغ في رمضان هذه السنة ‏.‏

حسان بن إِبراهيم أبو هشام العنزي الكوفي قاضي كرمان ‏.‏

ولد سنة ست وثمانين رأى محارب بن دثار وسمع هشام بن عروة والثوري وروى عنه عفان بن مسلم ووثقه يحيى وتوفي في هذه السنة وله مائة سنة ‏.‏

سلم الخاسر الشاعر هو‏:‏ سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء ‏.‏

يقال أنه مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏.‏

ويقال‏:‏ بل مولى المهدي ‏.‏

واختلف لِمَ سمَي الخاسر فقال اليزيدي‏:‏ ورث من أبيه مائة ألف درهم أو أصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم فأنفقها كلها على الأدب وأهله وحكى الأصفهاني‏:‏ أنه ورث من أبيه مصحفًا فباعه واشترى بثمنه طنبورًا ‏.‏

وذكر الصولي أن الرشيد قال له‏:‏ لِمَ سُمِّيت الخاسر فقال‏:‏ بعت وأنا صبي مصحفًا واشتريت بثمنه شعر امرىء القيس وقد رزقني اللّه حفظ القرآن بعد ذلك فقال له‏:‏ فأنت الآن الرابح ‏.‏

قال‏:‏ وقيل إنهم رأوه يومًا في سوق الدفاتر وقد باع مصحفًا بشعر الأعشى فقال له الناس‏:‏ أنت واللّه الخاسر فبقيت عليه ‏.‏

قال‏:‏ وكان مقتدرًا على الشعر بلغ من اقتداره أنه اخترع شعرًا على حرف واحد لم يسبق إليه وأقل شعر سُمع للعرب على حرفين نحو قول دريد بن الصمة‏:‏ ياليتني فيها جذع أخب فيها وأضع موسى المطر غيث بكر ثم انهمر كم اعتسر ثم اقتسر وكم قدر ثم غفر عدل السير باقي الأثر خيرالبشر فرع مُضر بدرٌ بدَر لمن نظر هوالوزر لمن حضر والمفتخر لمن غبر والمجتبر لمن عثر ‏.‏

وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضيَّة من المجون والخلاعة والفسق ثم تعرى وترك ذلك فرقت حاله فاغتم لذلك ورجع إلى شر مما كان عليه أولًا فباعِ مصحفًا كان له واشترى بثمنه دفترًا فيه شعر فشاع خبره في الناس فسمّوه‏:‏ سلماَ الخاسر لذلك ‏.‏

وكان من الشعراء المجيدين وكان من تلامذة بشَّار وصار يقول أرق من شعره فغضب بشار وكان بشار قد قال‏:‏ مَنْ راقبَ الناسَ لم يظفر بحاجتِهِ وفاز بالطيباتِ الفاتك اللهج فقال هو‏:‏ فغضب بشار وقال‏:‏ ذهب واللّه بيتي تأخذ المعاني التي قد تعبت فيها فتكسوها ألفاظًا أخف من ألفاظي‏!‏ لا أرضى عنك ‏.‏

فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا طلحة بن محمد بن عمر قال‏:‏ قال محمد بن داود بن الجراح‏:‏ حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‏:‏ حدثني أحمد بن المبارك بن خالد قال‏:‏ حدثني الجواني الهامشي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ كان سلم قد كسب مالًا بقصيدته التي مدح بها المهدي التي أولها‏:‏ حضر الرحيل وشدَت الأحداج وحدا بهنَّ مشمر مزعاج شربت بمكة من ذرى بطحائها ماء النبوة ليس فيه مزاج وكان المهدي أعطى هارون بن أبي حفصة مائة ألف درهم التي أولها‏:‏ طرقتك زائرة فحي خيالها ‏.‏

فأراد أن ينقص سلمًا عن هذه الجائزة فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف درهم وألف درهم وقال‏:‏ تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخيروا بتقديم قصيدتي فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم وألف درهم فلما بلغ إلى زمان الرشيد قال قصيدته التي أولها‏:‏ قل للمنازل بالكثيب الأعفر أسقيت غادية السحاب الممطر فحشت زبيدة فاه درًا فباعه بعشرين ألف دينار وهذا حين بايع الرشيد لمحمد ابن زبيدة ‏.‏

ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف دينار فأودعها أبا السمراء الغساني فبقيت عنده وأتى إبراهيم الموصلي يوم العيد عند الرشيد وغنَّاه فأطربه فقال‏:‏ يا إبراهيم سل ما شئت ‏.‏

قال‏:‏ نعم يا سيدي أسأل شيئًا لا يرزأك قال‏:‏ ما هو قال‏:‏ مات سلم وليس له وارث وقد خلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني تأمره بدفعها إليَّ ‏.‏

فبعث إليه أن يدفعها إليه فدفعها وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطلبان ميراث سلم وأنهما من قرابته ‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن تركته كانت خمسين ألف دينار وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية‏:‏ تعالى اللّه يا سلم بن عمر وذل الحرصُ أعناقَ الرجال غضب سلم وقال‏:‏ يزعم أني حريص فقال يرد عليه‏:‏ ما أقبح التزهيدَ من واعظٍ يُزَهد الناس ولا يَزهَدُ لو كان في تزهيده صادقًا أضحى وأمسى بيته المسجد ورفض الدنيا فلم يلقها ولم يك يسعى ويسترفد أيخاف أن تنفذ أرزاقه والرزق عند اللّه لا ينفد كلاَ يوفى رزقه كاملًا مَنْ كف عن جهدٍ ومَنْ يجهد قال أبو هفان‏:‏ وصل إلى سلم من البرامكة خاصة عشرون ألف دينار ومن الرشيد مثلها شقران بن علي الإفريقي صاحب الفرائض كان رجلًا صالحًا بعبادته يضرب المثل توفي في هذه السنة ‏.‏

عمر و بن زرارة بن واقد أبو محمد الكلابي النيسابوري ‏.‏

سمع معاذ بن معاذ وسفيان بن عيينة وهشيم بن بشير وابن علية وغيرهم ‏.‏

وقرأ القرآن على علي بن حمزة الكسائي روى عنه‏:‏ البخارىِ ومسلم وغيرهما ‏.‏

وكان فوق الثقة ‏.‏

العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس ‏.‏

كان من رجالات بني هاشم وولي إمرة الجزيرة أيام الرشيد وكان أجود الناس رأيًا وكان الرشيد يقول‏:‏ عمي العباس يُذَكِّرنَا أسلافنا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن عرفة قال‏:‏ توفي العباس سنة خمس وثمانين ومائة وُلي العباس بن محمد - الذي تنسب إليه العباسية - الجزيرة وصار إلى الرقة وأمر الرشيد ففرش له في قصر الإمارة واتخذت له فيه الآلات وشحن بالرقيق وحمل إليه خمسة آلاف ألف درهم وفي سنة ست وثمانين ومائة توفي العباس ببغداد في رجب وصلّى عليه الأمين ودفن في العباسية وسِنُّهُ خمس وستون سنة وستة أشهر وستة عشر يومًا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا البيهقي قال‏:‏ حدثنا سهل بن أحمد الديباجي قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل قال‏:‏ حدثنا أبو سلمة هشام بن عمرو القرشي قال‏:‏ قال رجل للعباس بن محمد‏:‏ إني أتيتك لحاجة صغيرة ‏.‏

فقال له‏:‏ اطلب لها رجلًا صغيرًا يقطين بن موسى ‏.‏

كان أحد الدعاة إلى دولة بني العباس وكان حازمًا داهية ولما حبس مروان بن محمد إبراهيم الإمام تحيرت الشيعة فلم تدر مَن الإمام بعده فقال لهم يقطين‏:‏ أنا أعلمكم ‏.‏

فمضى إلى الشام فوقف لمروان فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنا رجل تاجر قدمت بمتاع فأدخلت إلى هيئة فابتاعه مني ولم يزل يسوفني بثمنه حتى جاءت رسلك فحبسته فإن رأيت أن تجمع بيني وبينه وتأخذ لي بحقي ‏.‏

فقال مروان لبعض خدمه‏:‏ يا غلام امض معه إلى إبراهيم وقل له أخرج لهذا من حقه فمضى معه إليه فلما رآه قال‏:‏ يا عدو الله إلى متى تمطلني ومن أمرت بدفع مالي إليّ‏.‏

فقال‏:‏ إلى ابن الحارثية ‏.‏

فعاد إلى الشيعة فأعلمهم أن أبا العباس هو الإمام بعده ‏.‏